سندات اليوروبوند، حتى يكون التحليل متوازنا

الدكتور عدلي قندح

في ظل التراجع الكبير في ايرادات الخزينة نتيجة لتداعيات جائحة كورونا، وفي ظل العجز المزمن في الموازنة العامة، لا يوجد خيار آخر أمام وزارة المالية، في المدى القصير، إلا الاقتراض من الاسواق المالية المحلية والخارجية، فقد اقترضت الخزينة من السوق المحلي والاسواق الخارجية خلال الاشهر الماضية من السنة الحالية مبالغ تجاوزت 3 مليارات دينار ليتجاوز اجمالي رصيد الدين العام حاليا مبلغ 31 مليار دينار أو ما نسبته 101 % من الناتج المحلي الاجمالي. وقد لجأت الحكومة للسوق الخارجي للحفاظ على مستويات السيولة المحلية في السوق المحلي ولتجنب مزاحمة القطاع الخاص على مصادر السيولة المتوفرة في السوق المحلي.

وتعتبر عودة الأردن للأسواق الخارجية بمثابة اختبار لمدى توفر سيولة دولية باحثة وراغبة في الاستثمار في ظل كارثة كورونا التي حلت بالاقتصاد العالمي. ان قدرة الأردن على الاقتراض في ظل هذه الظروف عامل ايجابي ويعد مصدر ثقة بالاقتصاد الأردني وبقدرة الأردن على إدارة الازمات بشكل ممتاز، علاوة على أن جزءا من المبالغ التي سيحصل عليها الأردن من القروض الخارجية سيعزز من احتياطيات المملكة من العملات الاجنبية والحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار.

تعتبر التجربة الأردنية الاخيرة في اصدار سندات اليوروبوند بقيمة 1.75 مليار دولار، على شريحتين، شريحة بقيمة 500 مليون دولار بفترة استحقاق 5 سنوات وبسعر فائدة 4.95 %، وشريحة ثانية بقيمة 1.250 مليار دولار بفترة استحقاق 10 سنوات وبسعر فائدة 5.85 % وهو الأكبر بتاريخ المملكة بدون كفالات من أي مؤسسة دولية أو حكومة أجنبية. وهذا يعكس حجم ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأردني وبالسندات الدولية الأردنية. فقد تجاوز عدد المستثمرين في هذا الاصدار أكثر من 270 مستثمرا من أكثر من 35 دولة. وكان المستثمرون منوعين من صناديق ادارة موجودات، وشركات تأمين، وصناديق تقاعد، وخزائن بنوك دولية، بالاضافة الى بنوك خاصة دولية. وقد كان هناك اقبال كبير على الاصدار في بدايته، وقد فسر بعض المحللين ذلك الاقبال من جانب واحد وهو بسبب ارتفاع سعر العائد على تلك السندات، وهذا ليس عدلا. فبمقارنة ذلك الاصدار مع اصدارات أخرى لدول شبيهة بالأردن نجد أن أسعار الفائدة على سندات اليوروبوند الأردنية كانت منافسة وأقل، ما يشير الى ارتفاع الطلب وزيادة ثقة المجتمع الدولي ومؤسساته المالية بمتانة ومنعة الاقتصاد الأردني.

من جهة ثانية، وحتى يكون التحليل متوازنا، فإن الامر المقلق أن هذا النوع من الاقتراض سيعمل على زيادة حجم وعبء المديونية ونسبتها للناتج المحلي الاجمالي، الامر الذي سيزيد من ارهاق الموازنة العامة للمملكة. وقد يعمل ذلك اذا ما تفاقم في مثل هذه الظروف الصعبة الى اضعاف الاستدامة المالية في البلد. وقد يعكس نوعا من الاخفاق في تعبئة الموارد المالية المحلية بشكل أمثل. كما وقد يؤدي الى خفض التصنيف الائتماني للبلد وهذا ما حصل مع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني التي خفضت من النظرة المستقبلية للاقتصاد الأردني من مستقرة الى سلبية بسبب تأثير جائحة كورونا وتبعاتها على الاقتصاد الأردني، وقد يؤدي ذلك الى رفع أسعار الفائدة وتضاعف حجم الدين الخارجي، كما ويمثل الاقتراض الخارجي، عند تسديد الاقساط والفوائد، عنصر تسرب من دورة الدخل والاقتصاد، مما يسبب انكماشا اقتصاديا، الامر الذي يرهق ميزان المدفوعات ويضيف اعباء مالية أكثر ترهق الاجيال اللاحقة. كما أن عدم استخدام القروض لأغراض نفقات استثمارية تعود بالنفع على الاقتصاد الأردني والناتج المحلي وبالتالي معدلات التشغيل، يعد معضلة مزمنة في الأردن ليست وليدة الساعة. وللخروج من مصيدة المديونية لا بد من وضع استراتيجية للدين العام تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من العوامل التي تعزز من قوة الاقتصاد وتزيد من الايرادات المالية للخزينة وتخفف من العجز في الموازنة.

Scroll to Top