تغير المناخ – قضية وجب الإلتفات لها

د. محمد عبدالستار جرادات

ما يزال تقاعس الدول ووعود الساسة المنكوثة تقوّض كل المحاولات لحل أزمة تغير المناخ، ومع تزايد الكوارث الطبيعية التي يشهدها كوكب الأرض من فيضانات وحرائق وغيرها، أصبح هناك حاجة ماسة لوضع حد لها.

في الآونة الأخيرة، كشفت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، التابعة للأمم المتحدة، العديد من التحذيرات المدعومة بآلاف الدراسات البحثية لتجنب تفاقم الأزمة،  فارتفعت درجة حرارة الأرض بمقدار 0.14 درجة فهرنهايت (0.08 درجة مئوية) لكل عقد منذ عام 1880، من ناحية أخرى، فإن معدل الاحترار منذ عام 1981 يزيد عن ضعف ذلك: 0.32 درجة فهرنهايت (0.18 درجة مئوية) لكل عقد. كان عام 2021 هو العام السادس الأكثر دفئا على الإطلاق استنادا إلى بيانات درجة الحرارة الصادرة عن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، إذ تم حساب متوسط درجة حرارة سطح الأرض لعام 2021 بمقدار 1.51 درجة فهرنهايت (0.84 درجة مئوية) أكثر دفئا من متوسط القرن العشرين البالغ 57.0 فهرنهايت (13.9 درجة مئوية) و 1.87 درجة فهرنهايت (1.04 درجة مئوية). أي أكثر دفئا من ما قبل العصر الصناعي (1880-1900). تصنف السنوات التسع الأخيرة من 2014 إلى 2022 من بين أكثر 10 سنوات حرارة مسجلة.

نظرا للحجم الهائل والسعة الحرارية للمحيطات العالمية، فإن الأمر يتطلب قدرا هائلا من الطاقة الحرارية لرفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض السنوية حتى ولو بقدر ضئيل.

قد تبدو الزيادة البالغة درجتين فهرنهايت (1 درجة مئوية) في متوسط درجة حرارة سطح الأرض التي حدثت منذ حقبة ما قبل الصناعة (1880-1900) صغيرة، ولكنها تعني زيادة كبيرة في الحرارة المتراكمة.

تؤدي هذه الحرارة الزائدة إلى ارتفاع درجات الحرارة الإقليمية والموسمية، وتقليل الغطاء الثلجي والجليد البحري، وتكثيف هطول الأمطار الغزيرة، وتغيير نطاقات الموائل للنباتات والحيوانات (توسيع بعضها وتقلص البعض الآخر). ارتفعت درجة حرارة معظم مناطق اليابسة بشكل أسرع من معظم مناطق المحيطات، كما أن القطب الشمالي يزداد احترارا بشكل أسرع من معظم المناطق الأخرى.

تختلف درجات الحرارة من ليل إلى نهار وبين درجات الحرارة القصوى الموسمية في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي. هذا يعني أن بعض أجزاء الأرض باردة جدا بينما تكون الأجزاء الأخرى شديدة الحرارة.

لذا فإن الحديث عن “متوسط” درجة الحرارة ملائم لاكتشاف وتتبع التغيرات في ميزانية طاقة الأرض (مقدار ضوء الشمس الذي تمتصه الأرض مطروحا منه مقدار إشعاعها إلى الفضاء كحرارة) بمرور الوقت.

يقع الأردن في قلب الشرق الأوسط على بعد 80 كم شرق البحر الأبيض المتوسط، ويتميز الأردن بطبيعة طبوغرافية فريدة من نوعها حيث يمثل الجزء الغربي منه أدنى واد في العالم، كما يتميز الأردن بأربعة مناطق جغرافية وهي: منطقة البحرالمتوسط، الإيراني الطوراني، والسوداني الإستوائي، والصحراء العربية.

أما تاريخيا، فلقد شهد الأردن العديد من التغيرات المناخية، ومستقبليا هناك تحديات يجب الإلتفات لها. إذ كشف التقرير الوطني الثالث للتغير المناخي عن توقعات المناخ حتى عام 2100، حيث بين أن الأردن سيشهد ارتفاعا ملحوظا في درجة الحرارة بمعدل 1.7 – 3.2 س، في الوقت الذي سيشهد فيه زيادة في موجات الحرارة ومواسم الجفاف، كما تنبأ أن متوسط ​​الحد الأقصى لدرجات الحرارة يمكن أن يتجاوز 42 – 44 درجة مئوية للمملكة. إضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن تساقط الأمطار سيتراجع بحدود 15%، وبالرغم من تراجع هطول الأمطار إلا أنه من المتوقع الزيادة في شدتها مما يسبب الفيضانات التي قد تؤثرعلى النظم البيئية الهشة في الأردن.

تعتبر منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا تحديدا الأكثر عرضة لأثار التغير المناخي التخريبية، و ذلك بسبب أن دول هذه المنطقة بلا شك هي من الدول التي تعاني بشدة في النقص للمياه عالميا، حيث أن نصيب الفرد للمياه أقل من المعدل الطبيعي.

بالإضافة إلى أن دول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا تعاني من وضع حرج بالنسبة لإنخفاض تساقط الأمطار و تفاوت شديد في هطولها مكانيا و زمانيا، غير أن لبنان هي الأفضل حالا من ناحية الهطول، و قطر هي الأسوء في تغير نسب هطولها، كما يعد الأردن ثاني أفقر دولة في المياه عالميا. فإن الأردن اليوم بحاجة إلى إيجاد حلول يمكنها حل أزمة المياه والمناخ في الوقت نفسه، حيث إن كلتا القضيتين متشابكتان، وسط ارتباط المناخ والمياه والغذاء والطاقة في قالب خطر في الوقت نفسه، وذلك حتى الوصول لبدء إنتاج المياه من مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه في العقبة، ومن المؤمل أن يعالج قطاع المياه في الأردن خسائره على مستوى النظام ومستوى توفير كميات مياه ذات جدوى حقيقية من خلال خفض الفاقد المائي الناجم عن التسرب أو السرقة أو عدم دقة القياس، والذي تشير التقديرات إلى أنه يبلغ 50% من إجمالي المياه المحلية المنتجة في الأردن والتي لا يتم قياسها، وهو رقم مرتفع للغاية وفقا للمعايير الدولية.

من أهم مخرجات القمة العربية الأخيرة (قمة الأمن والتنمية) التي استضافتها السعودية، في مدينة جدة، تجديد القادة عزمهم على تطوير التعاون والتكامل الإقليمي والمشاريع المشتركة بين دولهم بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتصدي الجماعي لتحديات المناخ من خلال تسريع الطموحات البيئية، ودعم الابتكار والشراكات، بما فيها استخدام نهج الاقتصاد الدائري للكربون وتطوير مصادر متجددة للطاقة. وأشاد القادة في هذا الإطار باتفاقيات الربط الكهربائي بين المملكة العربية السعودية والعراق، وبين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والعراق، وبين المملكة العربية السعودية وكل من الأردن ومصر، والربط الكهربائي بين مصر والأردن والعراق. كما أشاد القادة بمبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، اللتين أعلنهما صاحب السمو الملكي ولي عهد المملكة العربية السعودية. وأعرب القادة عن تطلعهم للمساهمة الإيجابية الفاعلة من الجميع في سبيل نجاح (مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي السابع والعشرين) الذي تستضيفه جمهورية مصر العربية، ومؤتمر (الأمم المتحدة للتغير المناخي الثامن والعشرين) الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة، و (المعرض الدولي للبستنة 2023) الذي تستضيفه دولة قطر، بعنوان “صحراء خضراء، بيئة أفضل” 2023-2024.

وشددوا على أهمية تحقيق أمن الطاقة، واستقرار أسواق الطاقة، مع العمل على تعزيز الاستثمار في التقنيات والمشاريع التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وإزالة الكربون بما يتوافق مع الالتزامات الوطنية. كما نوه القادة بجهود أوبك+ الهادفة إلى استقرار أسواق النفط بما يخدم مصالح المستهلكين والمنتجين ويدعم النمو الاقتصادي.

تعتمد كمية الاحترار المستقبلي للأرض على كمية ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى التي نبعثها في العقود القادمة. اليوم، تضيف أنشطتنا (حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات) حوالي 11 مليار طن متري من الكربون (ما يعادل أكثر من 40 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون) إلى الغلاف الجوي كل عام. نظرا لأن هذا الكربون أكثر مما يمكن للعمليات الطبيعية إزالته، فإن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يزداد كل عام.

وضع الأردن “سياسة التغير المناخي للمملكة الأردنية الهاشمية، وهي منهجية علمية متكاملة تهدف إلى التصدي لمخاطر تغير المناخ، والتخفيف من إنبعاثات الغازات الدفيئة ليكون الأردن بلدا منخفض الكربون وبإقتصاد أخضر، والمضي قدما في مسار بناء مجتمعات صحية ومستدامة مع أخذ قضايا التنوع الإجتماعي وقضايا الحفاظ على الموارد المائية والزراعية والنظم البيئية بعين الإعتبار.

كما أسست وزارة البيئة الأردنية مديرية لتغير المناخ والتي تختص في التغير المناخي بما في ذلك التكيف والتخفيف وتمويل الكربون. وبالرغم من تأثير الأوضاع السياسية الراهنة في المنطقة على الأردن مثل قضايا اللاجئين وما أدت إليه من مشاكل إقتصادية وإجتماعية طارئة، إلا أنه لم يتجاهل مشكلة تغير المناخ ومازال يعمل على التخطيط للتعامل مع عواقبه وفق الإمكانات المتاحة، حيث ينبغي على الأردن التصرف بذكاء لخفض الآثار السلبية لتغير المناخ خاصة في القطاعات الحساسة مثل الأمن المائي والأمن الغذائي.

ولتعزيز الأمن الغذائي في الأردن، وضمان التنفيذ الناجح للاستراتيجية الوطنية وخطة عملها، وتسريع تحقيق “هدف القضاء على الجوع” بموجب خطة عام 2030، دعت الأمم المتحدة، إلى تعزيز التنسيق بين مختلف الجهات المسؤولة في الأردن، بما في ذلك إمكانية إنشاء فريق عمل / لجنة تنفيذية مشتركة بين المؤسسات في رئاسة الوزراء تكون مسؤولة أمام رئيس الوزراء وتتمتع بصلاحية إجراء تغيير مؤثر بتفويض وميزانية محددة.

كما أكد جلالة الملك عبدالله الثاني: “إن التعاون أساس العمل الإقليمي والعالمي، ولطالما وقف الأردنيون إلى جانب الشعوب في المنطقة وقدموا الدعم لهم؛ إذ إن موقعنا الاستراتيجي، في نقطة تلاقي إفريقيا وآسيا وأوروبا، يمكن الأردن من تسهيل وتنسيق العمل الدولي، بالإضافة إلى إمكانية عمله كمركز إقليمي للغذاء، مما يسارع ويعزز الاستجابة العالمية للأزمات الغذائية والكوارث”، وحددت الحكومة، تحقيق الأمن الغذائي كأولوية ذات أهمية وطنية متزايدة، مما أدى إلى اعتماد الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2021-2030 وخطة عملها.

حفظ الله الأردن تحت ظل الرعاية الهاشمية الحكيمة من كل مكروه.

Scroll to Top