سياسات تحفظ إقتصادي أم رد على العقوبات الغربية؛ أوبك+ المثيرة للجدل

د. محمد عبدالستار جرادات

في ظل التوقعات شبه المؤكدة بركود اقتصادي عالمي قادم، وبعد الإعلان الرسمي لبنك إنجلترا والبنك الأوروبي لدخولهم مرحلة الركود، وفي ظل معدلات التضخم وما تبعها من رفع أسعار الفائدة لمستويات قياسية، وبعد إعلان صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الدولية توقعات تراجع الإقتصاد العالمي في عامي 2022 و 2023، جاءت قرارات مجموعة أوبك بلس الأربعاء الماضي 5 أوكتوبر/تشرين الأول بشأن خفض إنتاجها من النفط بنحو 2 مليون برميل يوميا بدءا من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ويعادل التخفيض نحو 2% من الطلب العالمي على النفط. ووفق الاتفاق، ستنخفض حصة السعودية من الإنتاج إلى 10.48 مليون برميل يوميا في نوفمبر، وقال بيان المجموعة إن القرار يأتي “في ضوء عدم اليقين الذي يحيط بآفاق الاقتصاد العالمي وسوق النفط، والحاجة إلى تعزيز التوجيه طويل المدى لسوق النفط”. وبحسب تصريح وزير الطاقة السعودي، فإن قرار خفض الإنتاج سيمتد حتى عام 2023.

يرى المحللون والخبراء الإقتصاديون بأن القرار أخذ في الإعتبار توقعات بتراجع نمو الإقتصاد العالمي خلال عام 2023، بحدود 2.9% وفق ما ذكره صندوق النقد الدولي عن آفاق الإقتصاد العالمي. إلا أن البعض يرى أن خفض الإنتاج من قبل أوبك بلس من شأنه أن يؤدي إلى عودة أسعار النفط مرة أخرى لسقف 100 دولار للبرميل، أو تجاوز هذا السقف، خاصة مع حلول موسم الشتاء في أوروبا، مما أكسب قرار أوبك بلس زخما، وأدى إلى ترجيح سيناريو أن يواصل التضخم في الاقتصاد العالمي مساره الصعودي. من جهة أخرى؛ رأت إدارة بايدن أن القرار تحدٍ واضح لها، بينما اتجه الإتحاد الأوروبي لإقرار الحزمة الثامنة من العقوبات على روسيا، التي تضمنت فرض سقف لسعر النفط الروسي. وعلى الفور ردت الخارجية الروسية، بأن روسيا ستمتنع عن بيع نفطها للدول التي تؤيد أو تنضم لقرار الاتحاد الأوروبي الخاص بتحديد سقف أسعار نفطها، واتهمت الدول الأوروبية بأن نظرتها قاصرة بشأن حرية السوق.

 

يرى البعض أن قرار أوبك بلس جاء ليحافظ على أسعار النفط في السوق الدولية عند معدلات تتراوح ما بين 85 و95 دولارا للبرميل، من أجل الحفاظ على المقدرات المالية للدول المنتجة للنفط، واستباق أي وضع يمكن أن يتسبب في تراجع حاد للأسعار مثلما حدث غداة الأزمة المالية العالمية 2008، عندما انهارت أسعار النفط ووصلت إلى 30 دولارا للبرميل. في حين يذهب رأي آخر إلى أن قرار أوبك بلس بمثابة إعلان ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب، ويظهر أن البدائل أمام الولايات المتحدة لتعويض العجز الناتج عن قرار تخفيض الإنتاج من قبل أوبك بلس؛ قد تكون اللجوء إلى فنزويلا في أسرع وقت ورفع العقوبات عنها، ودخول حقولها النفطية للإنتاج، وهو ما تم الإشارة إليه في وسائل الإعلام، كما يمكن للولايات المتحدة أن تعجل بإبرام اتفاقها النووي مع إيران، وتحقيق المزيد من التهدئة في ليبيا ومناطق الصراع الأخرى، التي تعد مناطق إنتاج نفط أو غاز، من أجل زيادة المعروض النفطي في السوق الدولية، وبالتالي تهدئة الأسعار.

ثمة خطوات أتخذت لترشيد استهلاك الطاقة في أوروبا، بجانب مراجعة الخطوات التي اتخذت للاستغناء عن الطاقة الأحفورية (النفط، والغاز، والفحم) والتفكير في العودة إلى خيار الطاقة النووية، من أجل توفير احتياجات أوروبا من الوقود، ومواجهة التحدي الروسي. وفي خطوة تليق بمتخذ القرار في ظل الأزمات، إتجهت كل من بريطانيا وهولندا لفرض سقف لأسعار الطاقة في البلدين بالنسبة للمستهلكين، من أجل ضمان استقرار الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية لديهما.

إن المتضرر في المنطقة العربية سيكون تلك الدول المستوردة للنفط، حيث ستتحمل موازناتها آثارا سلبية مضاعفة، من جهة زيادة فاتورة الواردات الخام والسلع الأخرى، وذلك المواطن الذي يواجه أعباء معيشية متزايدة، دون وجود برامج حماية اجتماعية مناسبة، وأخرى لتقليص الفجوة بين الأجور والأسعار، وستكون الأزمة أشد تأثيرا على البلدان العربية التي تعاني من أزمات اقتصادية، ولديها برامج منتظرة للتمويل من صندوق النقد الدولي، كالأردن. فقد تكون أسعار الطاقة في الأسواق العالمية أحد البنود التي ستلجأ إليها حكومات تلك الدول لرفع الأسعار محليا، وهو ما يعني زيادة تكلفة إنتاج السلع والخدمات بالنسبة لمواطني هذه الدول.

 

حفظ الله الأردن تحت ظل الرعاية الهاشمية الحكيمة من كل مكروه.

 

Scroll to Top