هل يستلزم التحديث الاقتصادي الاردني تحديثا للمهن ذات الصلة الوثيقة؟

أ.د. منصور ابراهيم السعايده
بدء الاردن منذ فترة وجيزة، وبرعاية ملكية سامية، مرحلة التحديث في جوانب عديدة مهمة، واكثر ما يهمني في هذا المقال هو الجانب الاقتصادي، الذي لا يمكن له ان يتطور بمعزل عن تطور المهن ذات الصلة، ومن اهمها مهنة المحاسبة في القطاعين العام الخاص. فوفقا لتقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في 2018 ان استمرار التطور التكنولوجي في الاعمال سوف يلزم المحاسبين والمدققين على التكيف والتطور على نحو متسارع.
لقد وضع الاتحاد الدولي للمحاسبين ( IFAC) اساسا للنهوض بالتعليم المحاسبي المهني على مستوى العالم، وشكل هيئة رسمية ومجلس للمعايير الدولية للتعليم المحاسبي، ووضع تصورا لدور المحاسب في المستقبل ليواكب فيه المستجدات الاقتصادية، ويساهم بشكل فعال في تطوير مهنتة لتخدم حاجات الاقتصاد المتزايده والمتشعبة، و لتتمتع المهنة بسمعة جيدة، وتكون ذات قيمة مضافة ومستدامة، و تتسم بكونها جاذبة لمجموعة متنوعة من الموهوبين والمبدعين وتلبي احتياجات مختلف المؤسسات الاقتصادية والمجتمع على حد سواء.
و يقتضي نجاح هذا الدور الموسع للمحاسب الالمام التام بالمهارات الاساسية لبيئة الاعمال والمشاركة في بناء القيادة الفكرية للمهنة لتعزيز قدرات المحاسبين لتلبية احتياجات المستقبل، والمساهمة بتطوير المهنة بكل ابعادها وجوانبها بشكل افضل واسرع من خلال تبادل المعرفة، وبناء القدرات والوصول الى التنظيم المهني الانسب مما سيسهم في تعزيز كفاءات المحاسبين وردة الفعل الايجابية لديهم ويمكنهم من ممارسة ادورا هم الطبيعية بفعالية ونجاح اكبر في مساعدة الادارة بصنع القرارات الانتاجية والتسويقية والتمويلية والاستثمارية الرشيدة التي ستنعكس حتما على نتائج اعمال المنشاة ومركزها المالي وعلى الاقتصاد الوطني بالتالي، ولكي يتحقق هذا توصي رئيسة الفريق الدولي للتعليم المحاسبي (Vitale, 2020) بالعمل على:
- حشد الجهات الفاعلة واشراك الخبراء في التنظيم والتطوير المهني المحاسبي ووضع رؤية استراتيجية للمهنة والعمل على تنفيذها.
- العمل على ادخال معايير التعليم المحاسبي الدولية في صياغة او تعديل الخطط الدراسية لتخصص المحاسبة في الجامعات بما في ذلك زيادة عدد الساعات المطلوبة للتخرج.
- تزويد طلبة المحاسبة بالكفاءات المتعلقة بتكامل البيانات والرقمنة والقدرة على التحليل المعمق والتواصل الفعال.
- الارتقاء بالمنظمات المهنية (من جمعيات واتحادات وغيرها) وتفعيل تقييمها الذاتي لبرامجها للتطور المهني المستمر بالمقارنة مع ما توصلت اليه المنظمات المهنية الرائدة في العالم.
ويبدوا لي من مطالعاتي ان المملكة العربية السعودية قد بدات تاخذ دورا رياديا في تطوير مهنة المحاسبة في المنطقة العربية، اذ انشات الحكومة هيئة فاعلة للمحاسبين والمراجعين، بادارة تنفيذية قريبة من الاعضاء، لرعاية وتطوير المهنة بشكل فاعل وميسر مستعينة بالخبراء الاكفياء في التخصص، وكانها تنفذ التوصية الاولى لرئيسة الفريق الدولي للتعلم المحاسبي ، وتجري الجامعات السعوددية كذلك ابحاثا ودراسات، يشترك بها العديد من الفئات ذات الصلة بالمهنة، مثل اعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمحاسبين والمدققين ومستخدمي التقارير المالية، حول مدى مواءمة التعليم المحاسبي لديها مع معايير التعليم المحاسبي الدولية، اضافة الى التعرف على التحديات التي تواجه المهنة نتيجة التغير ات المتسارعة في بيئة الاعمال والتخطيط الجيد لحل المشكلات القائمة والمستجدة، و معالجة ضعف المناهج لزيادة جودة مخرجات وخدمات المهنة، ونتيجة لذلك اصبحت بعض الجامعات تطرح درجات علمية فيما وصف ب “المحاسبة المهنية” لتخريج مهنيين مدربين اكفياء وليس مجرد ارقام خريجين، وهي خطوة اشاد بها الاتحاد الدولي للمحاسبين.
اما في الاردن فيبدوا اننا ما زلنا في بداية الطربق في كل شيء، فليس لدينا تنظيم مهني مكتمل اذ كل ما لدينا هو جمعية محاسبين قانونيين (مدققي حسابات) مهتمة فقط بشؤون اعضائها محدودي العدد ولا يوجد اي جمعية مهنية للمحاسبين الذين يزيد عددهم عن ال 100 ألف محاسب، كما لا يوجد اي حديث عن تطوير للخطط الدراسية بما يتوافق مع معايير التعليم المحاسبي الدولية، ولا احد يتحدث عن وضع استراتيجية مستقبيلة لمهنة المحاسبة لتواكب متطلبات العصر سوى ما جرى من نقا شات مستفيضة في اللجنة القانونية لمجلس النواب الموقر حول تحديث القانون المؤقت للمهنة رقم 73 لسنة 2003 ولكن هذه النقاشات، وان بدات واعدة واستنارت باراء العديد من الجهات المهتمة بتطوير المهنة من محاسبين ومدققين واعضاء هيئة تدريس في الجامعات، وانضم اليها وشارك في نقاشاتها رئيس واعضاء لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، اضافة الى مشاركة سعادة رئيس مجلس النواب شخصيا ونائبه وبعض رؤساء الكتل النيابية والعديد من اعضاء اللجان واعضاء المجلس في العديد من اللقاءات، التي وصفها سعادة رئيس اللجنة القانونية في المجلس بانها فاقت الجهود المبذولة في تعديل اي قانون اخر، مما يوحي باهتمام غير مسبوق بموضوع تطوير المهنة، ولكن على ما يبدوا ان هذه النقاشات توقفت، او اصبحت غير علنية، او انها تواجه ضغوطات ومعارضة من نوع ما، بحيث لم نعد نسمع عن تقدمها منذ حوالي شهرين و لانعرف الى ماذا ستؤول، ونرجوا الله العلي القدير ان لا تذهب الجهود الكبيرة التي بذلت سدى وان لا يخيب الوعي والامل الذي ترسخ لدى العامة وجمهور المحاسبين خاصة حول قرب حدوث انفراجة في تطوير المهنة والابتعاد عن الجمود فيها والخروج بشيء ما يدفع المهنة الى الامام بما يخدم المصلحة العامة واعضاء المهنة على اختلاف تخصصاتهم وادوارهم وان لا يبقي مشروع تطوير المهنة حبيس الادراج او في عالم الغيب لا سمح الله، والله الموفق وهو المستعان.