آراء إقتصادية

الانطباعُ المُضلِل | د. عدلي قندح

إن عودة الاقتصاد الأردني للنمو بمعدلات موجبة خلال هذا العام وصلت إلى 1.8% خلال النصف الأول، ويتوقع لها أن تصل إلى نسبة ٢٪ للعام كاملا، بعد أن سجل نموا سالباً بنسبة 1.6% العام الماضي، يعني فقط بأن الاقتصاد عاد بسرعة لينمو بنفس مستويات النمو التي كانت سائدة لعشر سنوات قبل جائحة كورونا.

المشهد العام للاقتصاد الكلي لا يمكن اختصاره بمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، لأن ذلك يعطي انطباعاً مضللاً بأن الاقتصاد الأردني قد تعافى من آثار جائحة كورونا، وهذا الانطباع ليس دقيقاً..

فإن لم ينعكس النمو على مستويات دخل الأفراد، ويتوزع بعدالة، وينعكس على رفاهية الأسرة، ويخلق فرص عمل حقيقية تخفف من معدلات الفقر والبطالة الجنونية، ستبقى تلك المعدلات مضللة وبمثابة وهم وسراب بالنسبة لغالبية السكان.

فعند الحديث عن نمو الناتج، يجب النظر أيضا في أمور أخرى مثل: مدى إمكانية رفعها لمستويات تفوق معدلات النمو السكاني بكثير، لتتوزع بعدالة أكثر، ولتفوق معدلات نمو المديونية، فتصبح المديونية مستدامة، ومدى استمرارية النمو بمعدلات مرتفعة لفترة ممتدة، بحيث يزداد الإنتاج، ويزداد معه التوظيف، وترتفع معه الأجور، وتزيد عائدات الحكومة من الضرائب، عندها سيتخطى النمو الاقتصادي قضايا ليضم جوانب أخرى مثل التعليم والصحة والأمان الاجتماعي وغيرها من أساسيات الحياة.

وبهذا نتخطى مرحلة الحديث عن النمو لنصل إلى مراحل «التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشمولية»، التي يتحول خلالها الاقتصاد بشكل جذري، من كونه اقتصادا ناشئا إلى متقدم، أو من اقتصاد بسيط إلى آخر صناعي متطور.

وهذه العملية تعكس التحسن النوعي والكمي للاقتصاد، وتركز على التحولات التي يشهدها البلد خلال فترات طويلة للغاية، ولا يمكن قياسها ببساطة عبر مؤشر مثل الناتج المحلي الإجمالي، فهي تحتاج لعدد من المؤشرات مع أخذ التغيرات الزمنية في الحسبان.

عندها ندرك أن الواقع على الأرض يشير بوضوح إلى أن الاقتصاد الأردني لا يزال مثقلاً بأحمال كثيرة، عجزت الحكومات المتعاقبة عبر السنين عن تقديم حل جذري لأي من المشاكل الهيكلية التي يعاني منها، وعلى رأسها تقليص العجز المائي، والحد من فاقد المياه، وتقليص فجوة الطاقة، والتخفيف من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، والتخفيف من العجوزات المزدوجة في الموازنة العامة وفي الميزان التجاري، وحل معضلة النقل العام الذي يتصف بضعف في توزيع انتشاره وسرعة تردداته، الأمر الذي فاقم من الأعباء على البنية التحتية.

فغدا من السهل رؤية مشاكلنا الاقتصادية تتفاقم سنة تلو الأخرى دون أدنى حد من تأنيب للضمير، حتى بات من يقدم نقداً، لأي سياسة اقتصادية حكومية أو لقرار مسؤول، بأنه متهم بالسلبية والسوداوية، فانقلب الخطأ صحاً والصح خطأً.

فعلى سبيل المثال، إن الحيز المالي الضيق للسياسة المالية كبّل حركتها وأعاق مساهمتها، فغدت أدواتها الضريبية والإنفاقية عامل إعاقة للنشاط الاقتصادي، في حين أن السياسة النقدية لجأت لبعض أدواتها التقليدية من خلال تخفيض أسعار الفائدة ونسبة الاحتياطي الإلزامي دون إحداث تأثير أو تغيير هيكلي في نوعية التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك للقطاعات الاقتصادية التي يكون لها تأثيرات تنموية شمولية ملموسة.

وقد كان بإمكان السياستين المالية والنقدية وباقي السياسات الاقتصادية المؤثرة الأخرى، التحرك بصورة نوعية مختلفة باللجوء لأدوات وإجراءات نوعية أخرى، خصوصاً وأن المشهد الاقتصادي الكلي والجزئي كان حاضرا أمامها. فالمراجع لمختلف القرارات والإجراءات المتخذة خلال العام المنقضي، والأعوام التي سبقته، لا يرى تحركاً تصحيحياً غير تقليدي ملموسا من أي من السياسات المذكورة، فكان هامش تحركها روتينياً لا يتوقع منه أن يغير هيكل الاقتصاد قيد أنملة.

الأيام والشهور والسنين تمر، ولا نرى أي تطوير وتحسين جذري في هيكل اقتصادنا، وهذا يتطلب سرعة التحرك وأن يكون لدينا ليس فقط خطة اقتصادية استراتيجية وطنية هيكلية شاملة طويلة الأمد عابرة للحكومات، وإنما الحاجة هي أكثر لتعزيز أماكن ومؤسسات صنع واتخاذ القرار، بقادة وإداريين ذوي رؤية ثاقبة، ورغبة شديدة بالعمل الجاد، وقوة إرادة في اتخاذ القرار الصائب، وجرأة في قول الحق، ولفترة زمنية ممتدة لا نهاية لها، حتى نتمكن من إيجاد الحلول والأدوات المبتكرة لمختلف المعضلات التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، ولنتمكن من الخروج من وحل ومستنقع المعضلات التي أغرقتنا طوال السنين والعقود الماضية، ولنحدث باقتصادنا تغييرا هيكليا وننهض به بشكل شمولي يشعر به فئات المجتمع كافة وبخاصة الطبقتان المتوسطة والفقيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى