تعدين العملات المشفرة.. هل تساعد إيران في مواجهة العقوبات؟
بعد حظر دام أكثر من عام، وافقت الحكومة الإيرانية على استخدام وتعدين العملات المشفرة لاستيراد السلع من الخارج، وذلك بعد فترة وجيزة من الإعلان عن تمويل طهران أول شحنة استيراد بالعملة المشفرة.
وكان رئيس منظمة تنمية التجارة الإيراني، علي رضا بيمان باك، قد أعلن عن نجاح بلاده في تسديد سعر حمولة بقيمة 10 ملايين دولار عبر العملات المشفرة، مؤكدا أنه بحلول نهاية سبتمبر/ أيلول الجاري فإن “استخدام العملات الرقمية والعقود الذكية سيتم بشكل واسع في التجارة الخارجية لإيران مع الدول الأخرى”.
وتأتي موافقة الحكومة الإيرانية على تعدين العملات المشفرة ضمن سلسلة خطوات اتخذتها خلال الشهرين الأخيرين، بدءا برقمنة عملتها الوطنية ثم السماح باستيراد البضائع من الخارج بالعملات المشفرة، وهو ما وصفه مراقبون إيرانيون بأنها خطة ذكية للالتفاف على العقوبات الأميركية.
معضلة العقوبات
يعتقد الباحث الاقتصادي، معين صادقيان، أن إيران عانت جراء العقوبات خلال السنوات الماضية، وعملت جاهدة لإبطال مفعولها، وأن الموافقة على تعدين العملات المشفرة يأتي في هذا السياق.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر صادقيان أن العقوبات الأجنبية وضعت تحديات كبيرة أمام إيران وعرقلت مبادلاتها المالية وتجارتها الخارجية، مضيفا أن المصرف المركزي الإيراني ورغم ترجيحه استخدام العملة الوطنية في المبادلات المالية، فإنه رضخ في نهاية المطاف للاستعانة بالعملات المشفرة من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية وتقليل الضغوط على الاقتصاد الوطني.
وفي السياق، أعلن علي صالح آبادي حاكم المصرف المركزي الإيراني، عن حصول تفاهم بين المصرف المركزي ووزارة الصناعة في بلاده بتسهیل استيراد البضائع عبر العملات المشفرة والتعاون البناء مع معدّني المعلات الرقمية.
وعما إذا كانت عملية تعدين العملات الرقمية تشكل مخرجا لإيران للالتفاف على العقوبات الأميركية، يعتقد صادقيان، أن تأثير ذلك لن يكون كبيرا على الاقتصاد الإيراني، لأن الأطراف الخارجية لا تقبل التسديد بالعملات المشفرة في صفقاتها الضخمة، مؤكدا أن التداول عبر العملات المشفرة لم يتجاوز التجارة على نطاق ضيق.
منافع وتحديات
أشار الباحث الإيراني، إلى أن الأطراف الأجنبية لا تقبل من الطرف الإيراني التسديد بالريال الرقمي بسبب العقوبات الأميركية على اقتصاد طهران، مؤكدا أن بلاده تبذل جهودا جبارة لحلحلة معضلة التداول عبر عملتها الرقمية في التجارة الخارجية.
ورأى، أن اعتماد بلاده العملات المشفرة في تجارتها الخارجية سيعود بالنفع على الاقتصاد الإيراني دون أدنى شك، لأن تعدين العملات الرقمية لا يكلف البلاد غاليا سوى طاقة الكهرباء المتوفرة لديها، مستدركا أن جدوى هذه الخطوة لن تكون كبيرة على الاقتصاد الوطني، وأن تأثيرها على العملة الوطنية سيكون محدودا.
وحث صادقيان بلاده على العمل من أجل رفع العقوبات للنهوض بالاقتصاد الوطني، مؤكدا أن تجارة إيران الخارجية سوف تزدهر مع العملات المشفرة في حال رفع العقوبات عن طهران.
في المقابل، يعتقد الباحث الاقتصادي غلام رضا مقدم، أن خطوة الحكومة ليست جديدة، وأن الحكومة السابقة قد أصدرت مثل هذا القرار إلا أنه أنها اضطرت لوقف تصدير تراخيص إنشاء وتشغيل وحدات تعدين العملات المشفرة قبل عام و3 أشهر، عقب العجز الذي واجهته في قطاع الكهرباء.
وكشف مقدم، للجزيرة نت، أن التجارة الخارجية عبر العملات المشفرة، لا سيما شراء الشقق السكنية في بعض الدول الجارة، لم تتوقف طيلة الفترة الماضية، لأنها غير خاضعة أصلا لرقابة أي جهة رسمية، وأن ما حصل مؤخرا هو تشجيع الحكومة الإيرانية على توظيف العملات الرقمية المعدنة في الداخل لاستيراد البضائع التي تحتاجها البلاد.
تجربة ناجحة
ويرى مقدم، أن بلاده لن تألو جهدا في سبيل حذف الدولار من مبادلاتها التجارية، معتبرا أن موافقة الحكومة الإيرانية على تعدين العملات المشفرة تأتي لتقليل هيمنة العملة الأميركية وتشجيع الدول الأخرى -لا سيما تلك التي تواجه عقوبات مشابهة- على “الخروج من عباءة النظام المالي السلطوي”، على حد قوله.
وتابع الباحث الإيراني، قوله إن حكومة بلاده لا تقدم أية تسهيلات للمستثمرين ولا ضمانات للمُعدِنين، مؤكدا أن وزارة الصناعة والتجارة تعكف على إعداد لائحة قوانين لمراقبة الناشطين في مجال تعدين العملات المشفرة لمنع تبييض الأموال.
وأشار إلى تداول العملات المشفرة في نطاق ضيق جدا داخل بلاده في الوقت الراهن؛ لا سيما في حجز الفنادق وبعض المطاعم الراقية وشراء البيوت، مؤكدا أن خطورة العملات المشفرة تكمن في خروج رؤوس الأموال دون الحاجة إلى التحويل عبر الطرق التقليدية.
وخلص مقدم إلی أن “تجربة إيران في استخدام العملات المشفرة للالتفاف على العقوبات كانت ناجحة، وأن هناك تقارير غير رسمية تتحدث عن استغلال بعض الأوساط الإيرانية تعدين البيتكوين قبل سنوات لتوفير العملة الصعبة وإبطال مفعول العقوبات المالية”.
وبسبب عدم وجود قوانين شفافة لتداول العملات الرقمية في إيران فإنه لا توجد إحصاءات رسمية بهذا الشأن، إلا أن عضو مجلس إدارة جمعية البلوكتشين الإيرانية سهيل نيكزاد أعلن أن حجم تداول العملات الرقمية في إيران يتجاوز 10 ملايين دولار يوميا.
وفي السياق، كشف فرزين فرديس نائب رئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة طهران للتجارة عن أن 12 مليون إيراني يتعاملون في سوق العملات المشفرة، مؤكدا أن نتائج أحد استطلاعات الرأي التي أجريت العام الماضي على 5600 إيراني تتراوح أعمارهم بين 18 و65 عاما تظهر أن 77% من المتعاملين في سوق العملات الرقمية قد اشتروا عملات بقصد الاستثمار والمحافظة على قيمة أموالهم، في حين أن 15% منهم اعتبروا النشاط في هذه السوق مهنتهم الأولى.
کما أن 3% من المستطلعين -وفق فرديس- قد خاضوا غمار العملات الرقمية دعما للتكنولوجيا، في حين أن الفضول قد دفع 3% منهم إلى تجربة تداول العملات الرقمية، و1% منهم قد أكد أنه جرب التداول بالعملات الرقمية من أجل نقل الأموال وتسديد سعر البضائع التي اشتراها من آخرين.
aljazeera