آراء اقتصادية

ثرواتنا الطبيعية .. بين الوهم .. والحقيقة

عوض ضيف الله الملاحمه

هذا الوطن الذي كان جميلاً ، ورصيناً في بنائه ، ما زال إبتلائه مستمراً . أعرف ان المؤمن مُبتلى ، لكنني أحار في إبتلاء الأوطان ، ولماذا !؟ أما بمن هذا الوطن مُبتلى ، المؤلم ان الإبتلاء يأتي على أيادي كبار مسؤوليه ، او على يد من يُفترض ان ينهضون به ، لكنهم مع كل الأسف حولوه الى وهم .

أطل علينا دولة رئيس الوزراء ، بتصريح ناقَضَ فيه نفسه ، وتعارض مع ما حاول تسويقه لنا — الى حَدٍّ ما — حيث قال نصاً :— [[ أن الحديث عن ثروات طبيعية في الأردن (( وهم )) ]] . وأود ان أُذكِّره وأسأله : هل كُنت يا دولة الرئيس تبيعنا وهماً عندما عرضت على التلفزيون الأردني زجاجة الفودكا ( عفواً ) زجاجة عينة النفط الذي تم إستخراجة ، ولن يغيب عن بالي كيف كان تفحُّصِك لها ، وأنت تقلبها ذات اليمين ، وذات الشمال ، وكأن نظرك الثاقب يختبر جودة النفط الأردني وتصنيفه لتحديد سعره في السوق !؟

وهنا ، أستميح دولته عذراُ ، أن أرد عليه رداً من مصدرٍ علمي سوف يُذهل عند سماع إسمه ، إذا كان قد سمع به . في عام ١٩٧٨ ، كنت أعمل في أبوظبي الحبيبة ، وحَضرتُ محاضرة لعالم الفضاء الأمريكي ، مصري الأصل الدكتور / فاروق الباز ، عالِم الفضاء في وكالة ناسا . وإشتدَّ الحوار بيني وبينه ، على مسألة قومية ، حيث أحرجته في حديثي ، وسألته سؤالاً إعتبره هو مُحرجاً . فأجاب إجابة جزئية ، وتلافياً للإحراج ، طلب مني ان نلتقي أنا وإياه في غرفة الإدارة خلف ستارة المسرح . وبعد إنتهاء المحاضرة ، ذهبت والتقيته ، وسلّمنا على بعضنا ، فعاتبته على ما تلفظ به ، وتقبّل وجهة نظري وإحترمها . وأجاب على الجُزئية الثانية من سؤالي بالتفصيل ، وتقبلت عذره بتحفظه على الإجابة أمام الحضور . وبدأ الحديث يأخذ منحاً ودياً ، وعروبياً . وقال سأقدم لك دليلاً على أنني عروبي ، طالباً ان أتجاوز عما تلفظ به وكان فيه إساءة للعروبة . رجوته ان يقول ما يشاء حتى أتجاوز إساءته ، ويتركز إحترامه الأسطوري لديّ ، لأنني كنت أكن له إحتراماً شديداً قبل ان التقيه ، لا بل أنني كنت كأي عربي أفتخر به وبتميزه العلمي .

فسألني : من أين أنت ؟ قلت : عربي ، قال أعرف ، لكن من أي بلد ، قلت : الأصح ان تسألني ، من أي قُطرٍ عربي أنا . قال : نعم معك كل الحق ، قلت : أنا من قُطر الأردن . ثم سألني : من أي منطقة في الأردن ؟ رددت عليه : يا دكتور تسأل وكأنني طالب خِطبة إبنتك للزواج ، ما الذي يهمك ؟ وبلباقة إخواننا المصريين المعهودة قال : إنت بس طاوعني ، وإسمعني للآخر ، وحتكون رضيان . قلت له حاضر يا دكتور رايح أمشي معاك للآخر ، وكلي آذانٌ صاغية . وكرر السؤال ، فقلت انا من قبيلة الطراونة من الكرك في جنوب الأردن . فسأل : إذاً تعرف : القطرانه ، وسدة السلطاني ، ومنطقة الديسي .. الخ . رددت بالإيجاب وبأنني أعرف تلك المناطق جيداً .

أحسست أنه تنفس الصُعداء ، وإسترخى ، وبشيء من الإستعلاء قال : أنا طلبت من وكالة ناسا للفضاء تصوير طبوغرافية كل الوطن العربي ، بخرائط عالية الدقة ، لتبيان الثروات الطبيعية ، وحصلت عليها ، ووزعت تلك الخرائط على كل الدول العربية ، بزيارات خاصة وشخصية ، وعلى نفقتي الخاصة ، ولم ( يستنظف ) وزير عربي الإلتقاء بي ، مع انني أقدم ذلك مجاناً ، بما فيها بلدك الأردن ، حيث قابلني أحد المدراء ، ولم أسمع ولو كلمة شكراً .

وهنا تحدث عن الأردن الحبيب وقال : بلدك الأردن غنيٌّ بالنفط ، وبمعادن كثيرة أخرى ، كالحديد ، والذهب ، والنحاس .. وغيرها ، ويملك خزانين من المياة ، كأنهما بحرين متلاطمي الأمواج ، أحدهما في أقصى جنوب الأردن ، وتحديداً في منطقة الديسي ، وأستغرب ما يقال عن عدم وجود النفط في الأردن ، كما أستغرب مما يُقال ان الأردن فقير مائياً .

يا دولة الرئيس ، مشكلة كبار المسؤولين انهم يعتبرون ان الشعب أغبياء ، وجهلة . فتُطلِقون تصريحاتكم على عواهنِها ، مُعتبرين ان لا أحد يقرأ ، وإذا قرأنا لا نفهم ، وإذا فهمنا ننسى بسرعة ، وأن طغيان شخصياتكم وإنبهارنا بها يجعلنا نُقدِّس ما تقولون ، ونأخذه كمُسلّمات ، مع ان الواقع خِلاف ذلك تماماً .

دولة الرئيس : أين ذهب إحتفالك في زجاجة الفودكا ( عفواً النفط ) !؟ ولماذا عملت كل هذا ال( show ) !؟ دولة الرئيس هناك حِكمة تقول : جودة الكلام في الإختصار . أصبحت رئيساً للوزراء ، كما غيرك ممن سبقوك ، إتبحبح في هالمشمشية ، على حساب الشعب المسحوق . دولة الرئيس يبدو أنك تعتبر ان كل الوطن وهم ، ووجودك هو الحقيقة المُطلقة . دولة الرئيس : تأكد للشعب الآن أن إختفائك كان لا يخلو من مكسب وطني ، وقد يتحول الى مطلب وطني .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى