أزمة مواصلات وموجة غلاء تضرب الأسواق السورية بعد زيادة الرواتب
تشهد الأسواق السورية في مناطق سيطرة النظام موجة غلاء جديدة، واضطرابا في حركة البيع والشراء، وعزوفا عن البيع من قبل بعض أصحاب محال التجزئة الذين يغلقون متاجرهم خوفا من خسائر محتملة نتيجة لتذبذب سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية.
وسجلت معظم السلع الغذائية والاستهلاكية، خلال الأيام القليلة الماضية، ارتفاعا كبيرا في أسعارها بعد قراريْ زيادة رواتب العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين بنسبة 100%، ورفع الدعم عن المحروقات والمشتقات النفطية الأربعاء الماضي.
ويواجه الجزء الأعظم من السوريين تحديات كبرى لتأمين حاجاتهم الأساسية، في ظل موجات غلاء متعاقبة ومستمرة منذ مطلع العام الجاري، وضعف قدرتهم الشرائية رغم الزيادة الأخيرة في رواتبهم.
زيادة الرواتب
لم يكد يتلقى السوريون خبر زيادة الرواتب بنسبة 100% الأربعاء الماضي، حتى فوجئوا بموجة غلاء جديدة امتدت إلى معظم السلع الغذائية والاستهلاكية بنسب متفاوتة تتراوح بين 10% و30%.
فقد سجل سعر كيلوغرام الأرز المستورد 16 ألف ليرة بدلا من 12 ألفا (الدولار= نحو 15 ألف ليرة)، في حين ارتفع سعر لتر الزيت النباتي إلى 23 ألفا بدلا من 16 ألفا، وسعر كيلوغرام السكر إلى 15 ألفا بدلا من 11 ألفا، أمّا كيلوغرام السمن النباتي فارتفع من 20 ألفا إلى 26 ألفا.
في حين ارتفع سعر كيلوغرام شرحات الدجاج إلى 60 ألف ليرة (4 دولارات) مقارنة بـ40 ألفا مطلع الشهر الجاري، وسجل كيلوغرام لحم الغنم 110 آلاف ليرة (7.5 دولارات) بدلا من 85 ألفا (5.7 دولارات)، أما سعر صحن البيض فارتفع إلى 45 ألف ليرة (3 دولارات) بدلا من 33 ألفا (2.2 دولار).
يقول رضا (42 عاما)، وهو موظف في مديرية التربية في دمشق، للجزيرة نت “كنا نأمل وننتظر زيادة فعلية على الرواتب وقدرتها الشرائية، ولكن الدولة تسلّم بيد وتأخذ بالأخرى، فأسعار جميع السلع تقريبا ارتفعت بعد ساعات قليلة من قرار زيادة الرواتب ورفع سعر المحروقات، وبهذا فإن الزيادة التي سأستلمها أول الشهر ستتبخر مع ارتفاع الأسعار”.
وتقتصر عائلة رضا، منذ سنوات، في إعداد وجبات طعامها على أصناف الحبوب والخضر المختلفة، ويقول “لا تدخل اللحوم إلى بيتي إلا مرة في الشهر، ومع ذلك نمضي آخر أيام الشهر في أكل الخبز مع البطاطا المسلوقة أو المقلية إذا توفر زيت القلي”.
ويشير رضا إلى أن راتبه بعد الزيادة، البالغ نحو 350 ألف ليرة (23.5 دولارا)، لن يكفيه إلا لشراء بعض الأغذية التي بالكاد ستسدّ رمق الأسرة المكوّنة من 3 أفراد لبضعة أيام، وهي: كيلوغرام من الجبن بـ45 ألف ليرة (3 دولارات)، وكيلوغرام من الزعتر بـ32 ألفا (2.1 دولار)، وكيلوغرام من الزيتون بـ24 ألفا (3.6 دولارا)، ونصف لتر من زيت الزيتون بـ80 ألفا (5.3 دولارا)، وكيلوغرام من السكر بـ15 ألفا (دولار واحد)، و3 ربطات من المعكرونة بـ45 ألفا (3 دولارات)، وكيلوغرام من السمن النباتي بـ33 ألفا (2.1 دولار)، ونصف كيلوغرام من الشاي بـ70 ألفا (4.7 دولارات).
وتتأثر أسعار مختلف السلع في الأسواق السورية بانخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار، والذي بلغ أمس الأحد 14 ألفا و850 ليرة للدولار الواحد، في حين لم يتجاوز سعر صرفه مع بداية العام عتبة 7 آلاف ليرة، حيث ارتفع سعر الصرف بنحو الضعف مقارنة بمطلع العام الجاري.
أعباء مضاعفة
ولا يقتصر أثر موجة الغلاء الأخيرة على موظفي القطاع العام في مناطق سيطرة النظام فحسب، بل يطال أيضا المهنيين والحرفيين والعاملين في مختلف المجالات.
إذ يمضي كفاح (57 عاما)، وهو عامل بناء ونازح من ريف حمص إلى ريف دمشق، جلّ نهاره واقفا تحت أشعة الشمس، حيث يعمل في ورش البناء بمعاش يومي يتراوح بين 20 و40 ألف ليرة (1.3 و2.6 دولار).
المبلغ الذي كان قبل موجة الغلاء الأخيرة “يقضي حاجة، فإن عملت أكلنا وإن لم أعمل فتحنا أفواهنا للسماء”، كما يقول كفاح في حديث للجزيرة نت.
ويضيف “أما اليوم فإن عملت أو لم أعمل فإن 20 أو 30 أو 40 ألفا التي أقبضها في أيام العمل لم تعد تفي بالغرض، خاصة بعد دفع إيجار شقتي الذي ارتفع مؤخرا إلى 170 ألف ليرة (11.5 دولارا)”.
ويتابع أن “تعبئة غاز سفري صغير أصبح اليوم بـ75 ألف ليرة (5 دولارات) وبالكاد يكفي لأسبوع، وغالون المياه من 10 لترات بات بـ1500 ليرة، وكل الأسعار تضاعفت تقريبا”.
وإلى جانب الارتفاع المستمر لأسعار السلع، تواجه اليوم أسرة كفاح وغيرها من الأسر السورية الفقيرة في مناطق سيطرة النظام أعباء مضاعفة مع ارتفاع أسعار إيجارات الشقق السكنية، واقتراب موعد انطلاق العام الدراسي الجديد وما يحمله من التزامات تثقل كاهلهم.
أزمة مواصلات
ومنذ الأربعاء الماضي، يستمر العديد من أصحاب وسائل النقل العامة في مختلف محافظات البلاد في إضرابهم عن العمل على خلفية رفع حكومة النظام أسعار المحروقات، في حين يرفع أصحاب سيارات الأجرة والسيارات الخاصة أجورهم إلى نحو الضعف مواكبة للزيادة الأخيرة في سعر مادة البنزين.
ويترافق هذا الاضطراب في حركة السير مع فترة الامتحانات الجامعية، مما يحول دون وصول العديد من الطلاب إلى جامعاتهم لاجتياز الامتحانات في مواعيدها المحددة.
ويقول خليل (21 عاما)، وهو طالب في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق والذي يسكن بمدينة قطنا بريف دمشق، للجزيرة نت “وقفت صباح الخميس ساعتين كاملتين أنا والعشرات من أهالي المدينة في انتظار وسيلة نقل تقلنا إلى دمشق، ولما اقترب موعد امتحاني أوقفت سيارة أجرة ففوجئت بصاحبها يطلب مني مبلغ 70 ألف ليرة (4.7 دولارات) لنقلي وبعض الأشخاص إلى منطقة البرامكة، فعدت إلى المنزل عوضا عن اجتياز الامتحان”.
ويضيف “مصروفي الشهري لا يتجاوز 150 ألف ليرة (10 دولارات)، وإن استمر واقع المواصلات على حاله فلن أتمكن من اجتياز الاختبارات في باقي المواد لهذا الفصل، فأنا غير قادر على تحمل تكاليف المواصلات”.
ويعاني خليل وطلبة جامعيون في دمشق وسائر مناطق سيطرة النظام من أعباء مضافة على أعباء دراستهم لا تقتصر على غلاء وصعوبة المواصلات فحسب، ولكنها أيضا تتمثل في ارتفاع أسعار الدفاتر والمحاضرات الدراسية بنحو الضعف منذ بداية العام الجاري، وارتفاع أسعار المشروبات والمأكولات في الجامعة إلى مستويات غير مسبوقة تفوق طاقة الطلبة.
أما أبو كنان (52 عاما)، موظف في القطاع العام في دمشق، فيقول للجزيرة نت “قبل الزيادة في الرواتب كان سعر لتر البنزين 3 آلاف ليرة، أي أنني كنت أحتاج إلى 225 ألف ليرة (15 دولارا) لتعبئة مخصصاتي الشهرية، وبعد زيادة الرواتب ورفع سعر اللتر إلى 8 آلاف صار علي أن أدفع 600 ألف ليرة (40 دولارا) لتعبئة المخصصات، أي ما يعادل راتب موظفيْن معا”.
ويشير أبو كنان إلى أنه بحساب بسيط “وجدت نفسي مضطرا إلى دفع ما يعادل ضعف الراتب بعد الزيادة لتأمين مادة البنزين والتنقل بين عملي ومنزلي في ضاحية قدسيا التي تبعد 7 كيلومترات عن العاصمة”.
وكان وزير النفط السوري فراس قدور في حكومة النظام قد أشار في لقاء مع التلفزيون السوري الرسمي الخميس الماضي، إلى أن الحكومة تستورد 95% من حاجة البلاد من النفط، مما يشكل عبئا كبيرا على الموازنة، مبررا بذلك رفع الحكومة أسعار المشتقات النفطية.
ولا تزال محافظة دمشق وباقي المحافظات السورية حتى الساعة تعاني من قلة في أعداد وسائل النقل العام، أسفرت عن أزمة خانقة في المواصلات، على الرغم من إصدار بعض المحافظات تعريفات جديدة للنقل.
وأجمع اقتصاديون سوريون على أن زيادة الرواتب بالتزامن مع رفع الدعم عن الوقود والمشتقات النفطية من شأنه أن يؤدي إلى موجات تضخم جديدة وتراجع في القوة الشرائية لليرة.