البشر مقابل الخوارزميات .. الحرب الثقافية الجديدة على الإنترنت
الخوارزمية هي المحور الرئيس في توجيه تجربتنا عبر الإنترنت بأكملها، ويكاد يكون من المستحيل قضاء يوم دون التفاعل مع الخوارزميات، من تشكيل ما نقرأه ونشتريه إلى تشخيص المرض، إذ تلعب الخوارزميات دورا رئيسا في كل جانب من جوانب حياتنا.
يستخدم نحو 74% من البالغين في الولايات المتحدة موقع فيسبوك مرة واحدة على الأقل يوميا، وما يرونه يحدد بالكامل بواسطة خوارزمية خاصة. وفي وضع عدم الاتصال بالإنترنت، يأتي استخدامها بشكل متزايد لمساعدتنا في اتخاذ قرارات صعبة، وفحص طلبات العمل والإشراف على نتائج الامتحانات وغيرها.
ومع انتشار الخوارزميات في كل مكان فقد أحدثت مزيجا من الضجيج والقلق، فبينما يُقال لنا إنها قد تكون مبهمة ومتحيزة، نسمع أيضا أنها يمكن أن تكون مفيدة بشكل لا يصدق. وفي كلتا الحالتين فإن المستفيد أو المتضرر هم البشر، ويبقى السؤال: كيف يمكن للخوارزميات التحكم بالحياة اليومية للناس وتوجيهها؟
على الرغم من أن خوارزميات التوصية المخصصة حظيت بالاهتمام بسبب ارتفاع بعض منصات المحتوى القائمة على الخوارزميات في السنوات الأخيرة، فإن الحقيقة هي أن محركات البحث ومنصات التجارة الإلكترونية اعتمدت منذ مدة طويلة على خوارزميات التوصيات. وإن نجاح هذه الخدمات الخوارزمية لا يكون ممكنا إلا بتتبع وتسجيل كل إجراء تقوم به على الخدمة، ومن ثم فإن فرضية المجتمع الخوارزمي هي رقمنة كل شيء حتى الدماغ البشري.
ومع تطور المحطات المتنقلة والأجهزة الذكية القابلة للارتداء، لا يتم تتبع البيانات التي يصدرها الجسم فحسب، مثل التسجيل والنشر والتصفح وسجلات الشراء، بل يمكن أيضا تتبع البيانات من الجسم نفسه، كتتبع الوجوه والحركات والرؤية ونبضات القلب. ويمكن تحليل الاحتياجات الواقعية والمواقف العاطفية للأشخاص، من أجل إنشاء “ملف رقمي” ديناميكي أو “هوية خوارزمية” للمستخدمين بناء على سيناريوهات وأهداف مختلفة.
وبحسب مجلة العلوم الأميركية، فإن تفاعلات الناس اليومية مع الخوارزميات عبر الإنترنت تؤثر على كيفية تعلمهم من الآخرين، مع ما يترتب على ذلك من عواقب سلبية تمتد إلى المفاهيم الاجتماعية الخاطئة والصراع وانتشار المعلومات المضللة.
يتفاعل الناس مع الآخرين في بيئات وسائل التواصل الاجتماعي حيث تتحكم الخوارزميات في تدفق المعلومات الاجتماعية التي يرونها، وتحدد الخوارزميات جزئيا الرسائل والأشخاص والأفكار التي يراها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي.
في هذه المنصات، صمّمت الخوارزميات بالأساس لتضخيم المعلومات التي تحافظ على المشاركة، وذلك يعني أنها تجعل الأشخاص ينقرون على المحتوى ويعودون إلى المنصات. وإن أحد الآثار الجانبية لهذا التصميم هو أن الخوارزميات تعمل على تضخيم المعلومات التي يميل الأشخاص بشدة إلى التعلم منها والتي أُطلق عليها اسم “المعلومات الأولية” (PRIME)، بحسب المجلة.
في ماضينا التطوري، كانت التحيزات للتعلم من المعلومات الأولية مفيدة للغاية، فالتعلم من الأفراد المرموقين فعّال لأن هؤلاء الأشخاص ناجحون ويمكن تقليدهم. ومن المهم الاهتمام بالأشخاص الذين ينتهكون الأعراف الأخلاقية، لأن معاقبتهم تساعد المجتمع في الحفاظ على التعاون.
ولكن ماذا يحدث عندما تصبح المعلومات الأولية مضخمة بواسطة الخوارزميات ويستغل بعض الأشخاص تضخيم الخوارزميات للترويج لأنفسهم؟ هنا تصبح الهيئة إشارة سيئة للنجاح لأن الناس يمكن أن يزيفوا هيئتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تصبح ملفات الأخبار مشبعة بالمعلومات السلبية وغير الأخلاقية بحيث ينشأ هناك صراع بدلا من التعاون.
يؤدي تفاعل علم النفس البشري وتضخيم الخوارزميات إلى خلل وظيفي لأن التعلم الاجتماعي يدعم التعاون وحل المشكلات، لكن خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي مصممة لزيادة المشاركة. وإن النتائج الرئيسة للاختلال الوظيفي في التعلم الاجتماعي بوساطة الخوارزمية هي أن الناس يشرعون في تكوين تصورات غير صحيحة عن عالمهم الاجتماعي.
الخوارزميات انتصرت، فقد تقاربت أقوى منصات التواصل الاجتماعي والفيديو والتسوق جميعها على فلسفة تدليل المستخدمين في التوصيات الآلية، سواء من خلال قوائم التشغيل المخصصة لسبوتيفاي أو صفحة “فور يو” (For You) المعروفة على تيك توك، أو اقتراحات منتجات أمازون، فإن الإنترنت عازم بشدة على الإدارة الدقيقة لنشاطك عبر الإنترنت.
وفي الوقت نفسه، لم يسبق أن كان الوعي بالمخاطر المحتملة لهذا النهج التقني الدكتاتوري أعلى مما هو عليه الآن. فقد حقق الكونغرس الأميركي مؤخرا إذا كانت خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي تهدد رفاهية الأطفال، كما ركزت الدراسات والكتب الجديدة على العواقب الثقافية الواسعة المترتبة على السماح للخوارزميات بتنظيم خلاصاتنا الإخبارية.
يقول ريان ستولدت، الأستاذ المساعد في جامعة دريك وعضو مجموعة أبحاث الخوارزميات والثقافة في جامعة أيوا، “أعتقد أنها تؤكد كثيرا من أذواقنا الثقافية بطريقة أشعر على الأقل بالقلق حيالها”.
ومن جانبه، يقول البروفيسور ماريك كووالكيفيتش الذي يشغل منصب رئيس قسم الاقتصاد الرقمي في كلية الأعمال بجامعة كوينزلاند، “إننا بالفعل محاطون بالخوارزميات، وسوف تستمر في النمو. فالمكنسة الكهربائية الخاصة بي تحتوي على خوارزمية تخبرني بموعد استبدال فرشاتها، وتُعلمني سيارتي متى يجب نفخ الإطارات، وتنبهني آلة جزّ العشب عندما تتعطل. كل هذه الرسائل تظهر على هاتفي عبر تطبيقاتها”.
وأضاف “أنا أؤمن بشدة أنه في يوم ما لن أضطر إلى الذهاب للتسوق لشراء حبوب القهوة بعد الآن. ستعرف آلة القهوة عندما تنفد الكمية وستطلبها تلقائيا وسوف تصل بواسطة طائرة من دون طيار إلى باب منزلي. ربما لن نقوم بأي تسوق للبقالة على الإطلاق لأن لدينا ثلاجة تستخدم خوارزمية لتوقع ما نريد بناء على أذواقنا والموسم وستخطط لوجباتنا للأسبوع وتطلب المواد الغذائية”.
كما قال “أطلق على هذه الخوارزميات الذاتية القادرة على القيام بوظائفنا الأتباع الرقميين لأنها تساعدنا في الوظائف المتكررة والمملة التي غالبا ما نتجنب القيام بها”.
وبالمقابل، ونتيجة الشعور المتزايد بعدم الارتياح المحيط بأنظمة التوصية الغامضة لشركات التكنولوجيا الكبرى، بدأت تظهر ملاذات رقمية بعيدة عن الخوارزمية، إذ يعدّ رائد الأعمال تايلر باينبريدج جزءا من حركة ناشئة تحاول تطوير بدائل أقل خطورة للتوصيات الآلية، وهو مؤسس “بي آي إف واي آي” (PI.FYI) التي تعدّ منصة اجتماعية أطلقت في شهر يناير/كانون الثاني تأمل -على حد تعبير باينبريدج- في “إعادة التنظيم البشري”.
يقول بينبريدج “يتوق الناس إلى أيام لم يكونوا يتعرضون فيها للإعلانات المخصصة في كل مكان يتصفحون فيه” حيث تأتي إيرادات شركته من اشتراكات المستخدمين التي تبدأ من 6 دولارات شهريا. وفي حين أن تصميمه يستحضر نسخة قديمة من الإنترنت، يقول بينبريدج إنه يريد تجنب إنشاء واجهة ذات مظهر حنيني إلى الماضي.
الخوارزميات والذكاء الاصطناعي
يعتمد الذكاء الاصطناعي على الخوارزميات، وهي البرمجة التي تخبر الحاسوب كيف يتعلم ويعمل بمفرده. وفي حين أن الخوارزمية العامة يمكن أن تكون بسيطة، فإن خوارزميات الذكاء الاصطناعي بطبيعتها أكثر تعقيدا.
تعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي من خلال الحصول على بيانات التدريب التي تساعد الخوارزمية على التعلم. هناك 3 فئات رئيسية لخوارزميات الذكاء الاصطناعي: التعلم الخاضع للإشراف، والتعلم غير الخاضع للإشراف، والتعلم المعزز. وتكمن الاختلافات الرئيسة بين هذه الخوارزميات في كيفية تدريبها وعملها.
ونتيجة لذلك، تظهر نماذج ذكاء اصطناعي هدفها مساعدة البشر، ولكن قد تصل إلى مرحلة خطيرة تحلّ فيها محل البشر، وهنا يجب عليهم أن يبقوا يقظين في مرحلة التطور الكبير للخوارزميات.