آراء إقتصادية

السياسة النقدية.. مؤشرات متينة

سلامة الدرعاوي

إلى أين تتجه أسعار الفائدة خلال العام 2025؟ هل يمكننا القول إن البنوك المركزية تجاوزت أخيراً مرحلة التشدد؟ أم أن التقلبات العالمية ما تزال تفرض نفسها على قرارات السياسة النقدية؟

الواقع أن هذه الأسئلة تظل مطروحة بقوة، خاصة في ظل حالة عدم اليقين التي تكتنف الاقتصاد العالمي، رغم نجاح البنوك المركزية في كبح التضخم واقترابه من المستويات المستهدفة، ومع ذلك، ما تزال معدلات التضخم متأرجحة، وهو ما قد يطيل أمد الوصول إلى الاستقرار المنشود، خصوصاً إذا ما تأثرت الأسواق بقرارات مالية أميركية جديدة، كرفع الرسوم الجمركية.

هذا الواقع يفرض على البنوك المركزية توخي الحذر في اتخاذ قرارات خفض الفائدة خلال عام 2025، إذ سيظل مسار أسعار الفائدة وسرعة خفضها مرهوناً بتطورات معدلات التضخم، والهدف واضح وهو التأكد من عدم عودة التضخم إلى الاتجاه التصاعدي، مع الحفاظ على التوازن النقدي والمالي.

على الصعيد المحلي، أثبت البنك المركزي الأردني قدرته على إدارة السياسة النقدية بكفاءة، من خلال رؤية متكاملة تستهدف ضبط التضخم واستقرار سعر الصرف، مستفيداً من آليات مرنة تواكب التحولات العالمية، فمنذ عام 2022، رفع البنك أسعار الفائدة 11 مرة، بإجمالي 525 نقطة أساس، وذلك التزاماً بتحقيق الاستقرار النقدي والمالي، وها هي المؤشرات تؤكد نجاح هذه السياسة: الاحتياطات الأجنبية تجاوزت 21 مليار دولار، ما عزز ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأردني، فيما انخفض معدل الدولرة إلى 18.4 % بنهاية 2024، مقارنة مع 19.4 % في بداية الدورة التشددية عام 2022.

أما التضخم، فقد تراجع من 4.2 % في ذروة الموجة التضخمية عام 2022 إلى 1.56 % عام 2024، مع توقعات باستقراره عند 2.1 % في 2025، مما يعكس فاعلية السياسة النقدية في تحقيق أهدافها.

ومع بلوغ هذه الأهداف، بدأ البنك المركزي منذ ايلول 2024 مرحلة التخفيف التدريجي لأسعار الفائدة، حيث خفضها تراكمياً بمقدار 100 نقطة أساس، إلا أن أي قرارات مستقبلية بشأن أسعار الفائدة ستظل مرهونة بمؤشرات الاقتصاد المحلي واتجاهات الأسواق الإقليمية والعالمية.

ما تحقق من مؤشرات متينة لم يقتصر على الاستقرار النقدي، بل انعكس على تنامي موجودات البنك المركزي، التي تجاوزت 19.3 مليار دينار في نهاية 2024، فيما تضاعفت حقوق الملكية لتصل إلى 733 مليون دينار، مقارنة بـ290 مليون دينار في عام 2013، وهذا النمو فرض خطوة ضرورية لتعزيز القاعدة الرأسمالية للبنك، تمثلت في مضاعفة رأس المال من 48 مليون دينار إلى 100 مليون دينار، ما يمنح السياسة النقدية مرونة أكبر، ويعزز قدرة البنك على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية.

هذه المعطيات تبرهن على الدور المحوري للبنك المركزي في دعم الاقتصاد الوطني، وتؤكد أن السياسة النقدية الأردنية قائمة على أسس صلبة، قادرة على مواجهة التحديات العالمية بثقة ومرونة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى