الفقر والتنمية المستدامة – رؤية صاحب الجلالة
د. محمد عبدالستار جرادات
تقع التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي والرعاية الاجتماعية في رأس أولويات جلالة الملك عبدالله الثاني، ويلزمها مناخ يكفل تحقيقها بمختلف وجوهها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتزويد الأردنيين بالأدوات التي تمكنهم من المساهمة في تطوير بلدهم. “هاجسي الأول على الدوام هو تحسين نوعية الحياة لكل مواطن ومواطنة في هذا البلد، ولذلك فلا بد من مكافحة الفقر والبطالة وتنفيذ الإجراءات الإصلاحية والتصحيحية التي تضع حلولا جذرية ودائمة لهذه المشكلة”. من خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الأردني الرابع عشر في كانون أول/ديسمبر 2004.
يعتبر الفقر ظاهرة معقدة ذات أبعاد متعددة اقتصادية واجتماعية، ويختلف مفهوم الفقر باختلاف البلدان والثقافات والأزمنة، ولكن من المتفق عليه أن الفقر هو ببساطة عدم القدرة على توفير الحد الأدنى من مستوى المعيشة المطلوب والمرغوب فيه اجتماعيا، وهو حالة من الحرمان المادي التي تتجلى أحد مظاهرها في انخفاض إستهلاك الغذاء كما ونوعا، وتدني الحالة الصحية والمستوى التعليمي والوضع السكني والحرمان من إمتلاك السلع المعمرة والأصول المادية الأخرى وفقدان الإحتياطي أو الضمان، لمواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة والكوارث والأزمات.
يعتبر انعدام الدخل أو انخفاضه أحد العوامل المتسببة بالفقر، فيعزى انخفاض الدخل لانخفاض الحد الأدنى للأجور، أو لاضطرار الفرد للعمل في أعمال ذات أجور منخفضة، فبالرغم من أن البطالة والفقر مشكلتين مترابطتين إلا أن البنك الدولي نفى أن تكون البطالة هي السبب الأساسي للفقر، فقد عزي وصول الأفراد إلى حالة الفقر إلى انخفاض الأجور وما يترتب عليه من تبعات، حيث أشار البنك الدولي في دارسة له في إحدى الدول العربية إلى أن 6% فقط من مجموع الفقراء فيها هم من المتعطلين عن العمل. من ناحية أخرى، يقاس الفقر المدقع حاليا بعدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 1.90 دولار أميركي في اليوم، بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
أعلنت الحكومة في نيسان/أبريل 2019، أن نسبة الفقر المطلق بين الأردنيين وصلت إلى 15.7%، وتمثل 1.069 مليون أردني، فيما بلغت نسبة فقر الجوع (المدقع) في الأردن 0.12%؛ أي ما يعادل 7993 فردا أردنيا، وفق آخر مسح خاص بدخل ونفقات الأسرة نفذته دائرة الإحصاءات العامة 2017-2018، بينما توقع البنك الدولي ارتفاع نسبة الفقر في الأردن بنسبة 11% إضافية من جراء جائحة كورونا.
وأكدت دراسة تقييمية لمشروع التحويلات النقدية الطارئة الذي أُطلق للاستجابة لفيروس كورونا المستجد، أن خط الفقر في الأردن يبلغ 100 دينارا للفرد شهريا فيما كان خط الفقر المطلق لعام 2010 حوالي 813.7 دينار للفرد سنويا، بينما كان 680 دينارا للفرد سنويا لعام 2008. كما ارتفعت نسبة الفقر من إجمالي السكان للمملكة من 15.7% في 2018 إلى 24.1% في 2022، أي ما يعادل 2.4 مليون فرد. كانت معدلات الفقر في المملكة تشهد ارتفاعا متتاليا خلال السنوات الماضية، حيث قدرت لعام 2010 بحوالي 14.4%، مقارنة بـ%13.3 لعام 2008، و13% لعام 2006.
إنخفاض معدل النمو الإقتصادي، وعدد القوى العاملة، وعدد الوظائف المتاحة، والحد الأدنى للأجور، هم من الأسباب الرئيسية لإرتفاع معدلات الفقر في الأردن. كما أن إرتفاع معدل التضخم الإقتصادي خلال الأزمات وإرتفاع معدل النمو السكاني، أيضا لهما دور رئيسي لزيادة هذه الظاهرة.
تمكين الفقراء بتقديم المعونات هو علاج مبدأي وليس جذري، لمعالجة الزيادة المستمرة لهذه المشكلة الإقتصادية لا بد من البدء بــ:
- تخطيط و وضع الإستراتيجيات
يكمن دور الحكومة في الحد من مشكلة الفقر من خلال تخطيط وتنفيذ استراتيجيات تحسن الظروف المعيشية للفقراء، مثل توفير مياه شرب نظيفة، وتثقيف المزراعين في كيفية إنتاج المزيد من الأغذية، وتوفير التعليم، وتأمين فرص أفضل للحصول على خدمات الرعاية الصحية، إذ تظهِر الدراسات أن زيادة دخل الدولة بمقدار 10% سيحد مشكلة الفقر بنسبة تتراوح ما بين 20-30%.
- رفع الحد الأدنى للأجور
ارتفع الحد الأدنى للأجور في المملكة بمقدار 40 دينار ليصل 260 دينارا للأردنيين و 230 للعمالة الوافدة اعتبارا من كانون الثاني لعام 2021، جاءت هذه الزيادة الطفيفة تماشيا مع ارتفاع معدل التضخم. ولكن هل تعد هذه الزيادة كافية؟ وهل هناك مؤشر قياسي لنقطة تعادل مثلى ما بين أسعار المستهلكين و والحد الأدنى للأجور؟
و بما أن الفقر في الأردن هو فقر دخل أكثر منه فقر بشري، فإن سبب الفقر الرئيس الأجور المنخفضة التي يتقاضاها أرباب الأسر الفقيرة.
- المستوى التعليمي
التوسع في العملية التعليمية ليشمل (الأقل حظا) ليس بالضرورة أن يكون من الحلول، وإنما قد يشكل عبئا على سوق العمل وذلك لقلة المعروض من الوظائف. ولكن يقصد هنا بجودة التعليم، فكما ذكرنا في المقالات السابقة فإنه يجب إدخال العنصر التكنولوجي والصناعي على المنظومة التعليمية كما يجب رفع مستوى تقديم الخدمة في المدارس الحكومية خصوصا في المحافظات ومناطق الأقل حظا، لرفع إمكانيات الشباب الأردني وبالتالي تغطية متطلبات سوق العمل والسعي نحو النمو.
- خفض الضرائب والتكاليف الإنتاجية
يعتمد معظم فقراء الريف على الزراعة أو الموارد الطبيعية الأخرى من أجل كسب رزقهم، لذلك من الإنصاف أن توفر الحكومة الحرية التامة لهؤلاء الفقراء في كسب قوتهم من هذه المصادر الطبيعية، بالإضافة إلى تزويد المناطق الفقيرة بالإنترنت، ومصادر الطاقة بأسعار معقولة وتخفيض الضرائب المباشرة وغير المباشرة لسكانها.
- إنشاء صندوق إستثماري للمحافظات
تأتي فكرة إنشاء صندوق إستثماري كشبيه بصندوق زكاة، الفارق بأن الأموال التي يتم التبرع بها تذهب إلى إستثمارات (محلية أو أجنبية) سواء بأصول مالية أو غيرها، ويكون العائد (الأرباح) هي من نصيب المزكى لهم، أي أن تكون العملية ذو ديمومة أكبر، بحيث يوظف هذا الصندوق ذوي الخبرة من المحافظات ويكون تحت رقابة داخلية وخارجية، مما يساهم هذا الصندوق بدفع فواتير الكهرباء والمياه والإنترنت على سبيل المثال، أو دفع مبلغ شهري للعائلات الفقيرة، أو إنشاء مراكز صحية ورعاية مجانية، وغيرها الكثير من الأمور.
- تشجيع الإستثمار الأجنبي في المحافظات
يجب أن يكون للمستثمرين حصة أكبر من الإعفاءات في المحافظات عن العاصمة عمان، حتى يتسنى لسكان تلك المناطق فرصة أكبر في النصيب التشغيلي، ويكون لهذه المشاريع دور بجذب السياح فيزداد الإنفاق وبالتالي إنتعاش سكانها.
حدد جلالة الملك عدة محاور لتحقيق رؤية التنمية المستدامة ومحاربة البطالة والفقر، منها: تحرير الاقتصاد وتحديثه ورفع مستوى معيشة جميع الأردنيين، بما في ذلك تخفيض عبء المديونية وتقليص عجز الموازنة وتبني سياسة اقتصادية تحررية والاندماج في الاقتصاد العالمي وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية.
وبهدف تأمين حياة أفضل لجميع شرائح المجتمع الأردني أطلق جلالته عددا من المبادرات لتأمين السكن المناسب، وفي مقدمتها إسكان أبناء القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية، وإسكان لذوي الدخل المحدود، وإسكان المعلمين، و”مشروع الملك عبدالله الثاني لإسكان الأسر العفيفة”، ومدينة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود السكنية في الزرقاء.
ومنذ تولي جلالة الملك سلطاته الدستورية عام 1999 سعت رؤاه إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، وبذل جلالته، وما يزال، كل جهده لتأمين مستوى معيشي أفضل للأردنيين.
حفظ الله الأردن تحت ظل الرعاية الهاشمية الحكيمة من كل مكروه.