الأردن يدخل سباق الجنسية الاستثمارية: قرار ذكي في توقيت حساس

بقلم: د. محمد عبد الستار جرادات – خبير اقتصادي
في ظل اشتداد المنافسة العالمية على استقطاب رؤوس الأموال النوعية، جاء قرار مجلس الوزراء الأردني بإقرار أسس جديدة لمنح الجنسية أو الإقامة للمستثمرين كتحرك مدروس يعكس تطورًا لافتًا في أدوات السياسة الاقتصادية الأردنية. هذه الخطوة تعبّر عن رؤية استباقية تؤسس لمرحلة جديدة من الانفتاح الاستثماري المدروس، بما يحقق التوازن بين اعتبارات الأمن السيادي ومتطلبات التنمية.
الا ان اللافت في القرار ليس فقط الجرأة في تبنّي أدوات حيوية طالما طُرحت في النقاش الاقتصادي الأردني، بل الكيفية التي صيغت بها المعايير: حيث تم ربط الامتياز – سواء كان جواز سفرًا مؤقتًا أو دائمًا أو إقامة طويلة الأجل – باستثمار حقيقي، منتج، طويل الأمد، ومرتبط بتشغيل أردنيين، وفق ضوابط زمنية ومالية واضحة وتحت إشراف مؤسسي.
وهنا تجارب الدول الرائدة عالمياً تؤكد جدوى هذا النوع من السياسات. ففي الولايات المتحدة، تم إطلاق برنامج EB-5 لمنح الإقامة مقابل استثمار منتج يخلق وظائف فعلية للأمريكيين، وحققت من خلاله المليارات في قطاعات البنية التحتية والعقارات. كذلك، لجأت دول أوروبية مثل البرتغال، وإسبانيا، ومالطا، إلى نماذج مماثلة، مما عزز مكانتها كمحطات مفضلة لرأس المال الباحث عن استقرار اقتصادي وسياسي.
الأردن اليوم لا يكرر تجارب الآخرين، بل يعيد صياغتها على أرضه، ووفق أولوياته التنموية والاجتماعية. فالجنسية لم تُطرح هنا كامتياز جاهز، بل كعقد استثماري متكامل، تشترط فيه الدولة أن تكون كل دينار يُضخ في الاقتصاد مرتبطًا بإنتاجية حقيقية وفرص عمل ثابتة للأردنيين. والأهم، أن هذه المعايير تضع المستثمر أمام التزام زمني واضح، يتطلب منه البقاء والاستثمار والتشغيل لعدة سنوات، قبل أن يُمنح الجنسية أو حتى الإقامة الدائمة.
من شأن هذا القرار أن يفتح آفاقًا اقتصادية غير تقليدية في ثلاث مسارات رئيسية: أولًا، تنشيط سوق رأس المال، من خلال جذب مستثمرين جدد نحو البورصة الأردنية وشركات الوساطة المالية. ثانيًا، إعادة توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية واللوجستية والطبية، لا سيما في المحافظات، عبر ربط الامتيازات بخلق فرص عمل فعلية. وثالثًا، بناء بيئة ثقة وجاذبية، تجعل من الأردن مركزًا إقليميًا للاستقرار والاستثمار.
الفريق الاقتصادي الذي صاغ هذه الأسس بوعي ومهنية، يستحق التقدير. لقد تمكّن من تقديم تشريع اقتصادي استثنائي، يجمع بين الانفتاح والحصافة، وبين جذب الاستثمار وحماية الهوية الوطنية، دون انزلاق نحو ما شهدته بعض الدول من تسييل غير منضبط لجنسياتها.
ولعل أهم ما يجب التأكيد عليه، أن هذا القرار لا يجب أن يُنظر إليه كأداة تحفيزية فقط، بل كجزء من تحول استراتيجي في فلسفة الاستثمار الأردنية. لقد أصبحت الجنسية، بما تحمله من قيمة رمزية وسيادية، أداةً ذكية تُستخدم لتعزيز النمو، وتحفيز التشغيل، وجذب الكفاءات، لا مجرد وثيقة تُمنح لقاء المال.
التحدي الحقيقي الآن هو في الإدارة الحصيفة للتنفيذ، والشفافية في الإجراءات، والترويج الذكي عالميًا لهذه الفرصة. فإذا تم ذلك بكفاءة، فإن الأردن لن يكون مجرد دولة تمنح الجنسية مقابل الاستثمار، بل سيصبح منصة ذكية لاحتضان الاستثمارات النوعية في منطقة تعج بالتحولات.