تذبذب الدولار في العراق …عرضي أم بنيوي؟
هيمنة الدولة والنفط على الاقتصاد العراقي إلى جانب افتقاره للتنويع الاقتصادي واستمرار تلبية الطلب المحلي من العالم الخارجي يعني استمرار الطلب على الدولار، واستمرار تذبذباته. ان مولدات الدولار محدودة جداً ولا تتسم بالتنافس ولا بالمتانة بل هي متذبذبة بالأساس، وبالمقابل ان الطلبات على الدولار متنوعة وتنافسية وغير متذبذبة…
تذبذب اسعار الدولار في اي بلد، يجعل بيئة الاعمال بيئة غير نشطة، فتلقي بظلالها على الاداء الاقتصادي بشكل تلقائي.
ويختلف تأثير تذبذب الدولار على اداء الاقتصاد من حيث طبيعته إن كان عرضي أم بنيوي، لان الاول هو مؤقت والثاني مستدام.
متى يكون عرضي ومتى يكون مستدام؟
يكون عرضي عندما تكون اساسيات الاقتصاد سليمة، وما يحصل هو نتيجة لتغيير مؤقت في العرض والطلب، ويكون بنيوي عندما تكون اساسيات الاقتصاد غير سليمة، أي تتعلق بعدم وجود قادة انتاجية عريضة وقوية.
ولأجل معرفة ان تذبذب الدولار في اي اقتصاد هل هو عرضي أم بنيوي، يستلزم الامر تشريح واقع الاقتصاد لمعرفة ما إذا كانت القاعدة الانتاجية سليمة عريضة وقوية أم لا، وعلى اساسها يمكن الحكم على طبيعة التذبذب.
القاعدة الانتاجية في العراق
يتضح من خلال البيانات الاحصائية والتقارير الاقتصادية، ان القاعدة الانتاجية غير عريضة وضعيفة، وحسب المؤشرات الاتية:
اولاً: اجمالي الناتج المحلي الاجمالي، حيث شكّل القطاع النفطي ما نسبته 45% تقريباً من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية، وأكثر من 57% من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الثابتة عام 2023 (تقديرات اولية سنوية) حسب بيانات البنك المركزي العراقي.
في حين لم تشكل القطاعات الاخرى نسب كبيرة، وأغلبها قائمة على قطاع النفط باعتباره هو القطاع القائد في الاقتصاد العراقي.
ثانياً: الايرادات العامة، حيث قُدّرت مساهمة الايرادات النفطية بنسبة 87.1% من الايرادات العامة، في حين لم تشكل الايرادات الاخرى سوى 12.9% من الايرادات العامة عام 2023، علماً ان هناك خلل واضح في الموازنة من حيث الحجم والدور والأثر ليست من مهام هذا المقال.
ثالثاً: الصادرات النفطية، حيث تشكل الصادرات النفطية ما نسبته 95% من الصادرات السلعية، في حين لم تشكل الصادرات السلعية الاخرى سوى 5% من الصادرات السلعية عام 2023.
هذه المؤشرات الرئيسية تعطي صورة واضحة عن مدى ضعف القاعدة الانتاجية العراقي، أي انها قاعدة غير متنوعة انتاجياً، مما يعني انها غير قادرة على اشباع الطلب المحلي من ناحية، وتلبية هذا الطلب من الاستيراد من ناحية اخرى حيث بلغت الاستيرادات المتنوعة قرابة 56 مليار دولار عام 2023.
يمكن ان تستنتج مما تقدم عدّة نقاط في الاتي:
1- الاقتصاد العراقي اقتصاد ضعيف، نظراً لافتقاره للتنويع الاقتصادي.
2- ان النفط هو القطاع القائد للاقتصاد العراقي، إذن مصدر الدولار مصدر واحد لا متعدد.
3- ان النفط متذبذب في الاسواق الدولية، إذن الاقتصاد العراقي والدولار سيكونان متذبذبان ايضاً.
4- ان الدولة هي المسيطرة على النفط، مما يعني انها هي المتحكمة بالدولار والاقتصاد بشكل عام.
5- ان ضعف الاقتصاد يعني استمرار الاستيراد ومن ثم استمرار الطلب على الدولار.
ان هيمنة الدولة والنفط على الاقتصاد العراقي إلى جانب افتقاره للتنويع الاقتصادي واستمرار تلبية الطلب المحلي من العالم الخارجي يعني استمرار الطلب على الدولار، واستمرار تذبذباته.
بعبارة اخرى، ان مولدات الدولار محدودة جداً ولا تتسم بالتنافس ولا بالمتانة بل هي متذبذبة بالأساس، وبالمقابل ان الطلبات على الدولار متنوعة وتنافسية وغير متذبذبة، مما يعني ان تذبذبات الدولار في العراقي هي بنيوية ومستدامة باستدامة ضعف القاعدة الانتاجية.
بناء القاعدة الانتاجية
ولأجل العمل على التخلص من تذبذب الدولار البنيوي، يتطلب الأمر العمل على علاج ضعف القاعدة الانتاجية بشكل جذري وذلك من خلال عدّة خطوات يمكن الإشارة لأبرزها أدناه:
أولاً: رسم رؤية اقتصادية واضحة، بحيث يكون الجميع قادر على التفاعل معها وتحقيقها.
ثانياً: توظيف الايرادات النفطية في المشاريع الاستراتيجية لا الاقتصادية، كالبنية التحتية والصحة والتعليم والبيئة.
ثالثاً: فسح المجال أمام القطاع الخاص بشكل حقيقي من خلال القضاء على التعقيدات الادارية وتبسيط الاجراءات.
رابعاً: تعزيز استقلالية البنك المركزي، لأجل العمل على تحقيق اهدافه الرئيسية بشكل جاد بعيداً عن التدخلات السياسية.
خامساً: ضبط وترشيد وتعزيز كفاءة النفقات العامة، لتكون نفقات منتجة بدون تضخم وتسهم في دعم مسيرة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.
سادساً: منع ومكافحة الفساد، لان الفساد يمثل حجر عثرة أمام انطلاق مسيرة النشاط الاقتصادي.
سابعاً: ايلاء الجانب الاعلامي دوراً مهماً في توعية الجمهور بأهمية تطوير القاعدة الانتاجية وانعكاساتها على العملة الوطنية وزيادة رفاهيته بالمحصلة الاخيرة.
خلاصة القول، ان تذبذب الدولار في العراق هو تذبذب بنيوي بالدرجة الاولى، نظراً لضعف بنية الاقتصاد العراقي، ولأجل علاج التذبذب البنيوي يتطلب الأمر علاج ضعف القاعدة الانتاجية من خلال عدّة خطوات كما اتضحت أعلاه.