دول وشركات تتنافس للسيطرة على المعادن الحيوية النادرة في سعيها نحو الهيمنة الاقتصادية

عمرو زكريا

شهد الطلب العالمي على الرقائق الإلكترونية ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مدفوعًا بالتقدم التكنولوجي، والاعتماد واسع النطاق على الأجهزة، بما في ذلك الهواتف الذكية، والسيارات الكهربائية، وأنظمة الطاقة المتجددة.

أظهر الارتفاع في الطلب على الرقائق تصاعدًا موازيًا في الحاجة إلى المعادن النادرة التي تعد إحدى الخامات الأساسية لإنتاج هذه الشرائح.

يعرّف تقرير صادر عن كلية الهندسة المدنية والموارد في جامعة العلوم والتكنولوجيا في بكين العناصر النادرة المستخرجة من الأرض بوصفها مجموعة من المعادن الحيوية الأساسية المستخدمة على نطاق واسع في التكنولوجيا المتقدمة.

بلغ الطلب العالمي على المعادن النادرة 125 ألف طن متري عام 2021، وتشير التوقعات إلى أنّ هذا الرقم قابل للزيادة إلى 315 ألف طن بحلول عام 2030، وفقًا لمؤسسة بروكينغز.

دور المعادن النادرة

تؤدي المعادن النادرة دورًا لا غنى عنه في مجموعة متنوعة من المنتجات بدءًا من الأجهزة، بما في ذلك الهواتف الذكية إلى المعدات العسكرية مثل محركات الطائرات، وأنظمة توجيه الصواريخ، والأقمار الصناعية.

وبوجه خاص، تعد بعض العناصر النادرة، بما في ذلك النيوديميوم، والبراسيوديميوم، والديسبروسيوم، والتيربيوم أساسية في إنتاج المغناطيس الدائم المستخدم في المكونات الحيوية مثل محركات السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح.

كما تؤدي عناصر أخرى، بما في ذلك الإيتريوم والسكانديوم، دورًا حاسمًا وأساسيًا في وظيفة محللات الهيدروجين الكهربية.

نحو طاقة نظيفة

يبرز التحول المزدهر نحو الطاقة النظيفة، وتسارع نمو سوق السيارات الكهربائية، كقوة دافعة أساسية وراء الطلب المتزايد على هذه المعادن الحيوية.

وتشير التوقعات إلى أن السيارات الكهربائية ستمثل 60% من مبيعات السيارات العالمية بحلول عام 2030، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA). ويتطلب هذا التحول الكبير استثمارات ضخمة في البنية التحتية لمحطات الشحن، وقدرة الطاقة المتجددة، والمعادن الحيوية، بما في ذلك الليثيوم والنحاس.

ولتسليط الضوء على مدى هذا التحول، تدعو وكالة الطاقة الدولية الحكومات إلى الالتزام بزيادة الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، مع زيادة أكبر بحلول عام 2050.

وتتوافق هذه الأهداف الطموحة مع الدعوة إلى توفير إمدادات مناسبة من المعادن الحيوية، ومع ذلك فإن التوقعات السائدة لا ترقى إلى مستوى تلبية هذا الطلب. ولتوضيح الأمر، يجب أن يتضاعف إنتاج الليثيوم بنحو أربعة أضعاف، من 490 ألف طن في عام 2021 إلى 2 ميغا طن في عام 2030 لتلبية الطلب المتزايد.

تكلفة التحول

يصاحب التحول إلى الطاقة النظيفة تحديات وتكاليف مالية كبيرة، ومن المتوقع أن يلتزم قطاع التعدين والمعادن بتخصيص 1.7 تريليون دولار بين عامي 2020 و2035، وفقًا لشركة Wood Mackenzie لتلبية الطلب المتزايد على المعادن، بما في ذلك النحاس والكوبالت والنيكل.

ومن خلال التركيز على السيارات الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة، تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى ارتفاع الطلب على المعادن الحيوية المستخدمة في التكنولوجيا المتطورة.

يتوقع أن يشهد الطلب ارتفاعًا قويًا قد يتجاوز 400 مليون دولار سنويًا بحلول عام 2050، وفقًا لمجلة strategy+business التي تصدرها شركة PwC. ويمكن لشركات التعدين الرائدة أن تؤثر في توجيه مسار هذه الصناعة والتحكم في توفير هذه المعادن المهمة وتوزيعها من خلال الاستفادة من وضعهم المالي القوي.

التنافس على المعادن النادرة

بينما تؤدي الصين دورًا مهيمنًا في سوق المعادن النادرة إذ تنتج 60% من السوق العالمية وتعالج 85% منها، فإن التطورات الجيوسياسية تدفع الدول الأخرى إلى التحرك، وفقًا لتقرير مارش ماكلينان لعام 2022.

دفعت المخاوف بشأن نقاط الضعف في سلسلة التوريد، والتوترات الجيوسياسية الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي وأستراليا، إلى تأمين حقوق التعدين لهذه المعادن الحيوية بفاعلية.

ويعد القرار الذي اتخذته الصين أخيرًا بالحد من تصدير هذه العناصر الحيوية، بما في ذلك الغاليوم والجرمانيوم – اللذين يشكلان أهمية قصوى للتطبيقات الإلكترونية وأشباه الموصلات – بمنزلة تذكير صارخ بالتداعيات المحتملة على سلسلة التوريد العالمية.

البدائل الإفريقية

في الوقت الذي يبحث فيه العالم عن بدائل، يخطو منضمون جدد إلى سباق المعادن النادرة. وتمتلك الدول الإفريقية احتياطيات كبيرة من المعادن النادرة، لكنها تواجه تحديات كثيرة في استخراج هذه الموارد ومعالجتها وتكريرها. ومن ناحية أخرى، تعد روسيا منافسًا مهمًا بسبب ثروتها المعدنية الواسعة. ومع ذلك، فقد ظهر صدى الأحداث الجيوسياسية، بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، على أسعار السلع الأساسية وسلاسل التوريد.

قد يؤدي الطلب المتزايد على المعادن النادرة إلى إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، لا سيما لدى العديد من الدول الإفريقية التي لديها احتياطات غنية من هذه المعادن الحيوية.

ويمكن لدول مثل ناميبيا، وزيمبابوي، وموزمبيق، وتنزانيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وزامبيا الاستفادة من هذا الطلب المتزايد.

وإدراكًا لهذه الإمكانية، بدأ الاتحاد الأوروبي تدشين شراكات مع دول إفريقية مختارة بشأن هذه العناصر الحيوية، للحد من الاعتماد على الدول المهيمنة على السوق، بما في ذلك الصين وروسيا، وتأمين مصادر بديلة.

نحو مستقبل مستدام

أصبح التقارب المحوري بين قطاعات التعدين والطاقة والنفط والغاز واضحًا، إذ تتنافس هذه القطاعات من أجل الوصول إلى المعادن الحيوية. وتنظم شركات النفط والغاز تحولًا تدريجيًا نحو الطاقة النظيفة، مع التزام العديد منها بأهداف الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية.

ويشمل هذا التحول الكبير تكامل حلول الطاقة المتجددة، والاستثمار في التكنولوجيا المستدامة، والجهود المتضافرة للحد من انبعاثات الكربون. بدأ سباق الحصول على المعادن الحيوية يأخذ منحنى تصاعديًا، إذ تشير التوقعات إلى زيادة هائلة في الطلب خلال العقود القليلة المقلبة. ويأتي هذا الطلب المتزايد مدفوعًا بالتحول العالمي نحو تكنولوجيا الطاقة النظيفة.

ويعد تأمين إمدادات موثوقة ومستدامة من هذه المعادن الحيوية جزءًا لا يتجزأ من هدف الوصول إلى صافي انبعاثات عالمية صفرية بحلول عام 2050. فبينما يسعى العالم إلى الدخول في عصر مصادر الطاقة النظيفة والتكنولوجيا المستدامة، سيصبح دور هذه المعادن النادرة لا غنى عنه في تحقيق مستقبل خالٍ من الكربون.

 

Scroll to Top